الحب هو قوة عظيمة تستطيع ان تسيطر على الانسان وعلى كل مشاعره، فالقلب الذي يحب أثقل من العقل الذى يفكر فى ميزان الحياة. عندما يحب الإنسان شخصا يشعرأن عالمه ينتمي من شخصين، هو وحبيبته فينسى العاشق دنياه ويضع كل اهتمامه لعشيقه. يعيش المتيم فى عالم خيالي، عالم من الآحلام الوردية، عالم من الخيالات والأوهام .. ولكن ليس فقط الحب الحقيقي الذي يؤدي الى العيش فى عالم غير واقعي، بل الرومانسية أيضاً. فالحب الحقيقي نادراً جداً، و معظم الناس يستخدمون اسم الحب غطاء للعلاقات السطحية، بينما قلوبهم ليس فيها ذرة من الحب. كما نرى فى الرواية الروسية أنا كرنينا، لم يكن هناك حباً بين أنا وحبيبها فرونسكي. ولكن في الرواية المسرحية روميو وجوليت كان هناك حب طاهر حقيقي. و لكن فى كلا الحالتين، أدت هذه المشاعر الرومانسية الى الهروب من الواقع والعيش فى عالم من الأحلام
كل شيْ فى هذه الحياة له ايجابياته وسلبياته على الشخص نفسه و على المجتمع. الرومانسية لديها ايجابيات عديدة لدى العاشق أولاً، الشعور الرائع المخدر الذي يأتي يد بيد مع الحب، ثانياً الإحساس بأن انت وحبيبك الشخصين الوحيدين فى العالم. وأخيراً، السعادة الشخصية الناتجة عن العلاقات الحميمة بين المحبين فى بعض الاحيان تكون هناك سلبيات مع الرومانسية ولكن هذا يعتمد على طبيعة العاشق. اولاً، الحب يجعل المرء يهرب من الواقع فالإنسان يبدأ يعيش فى عالم وردي معتزلاً عن المجتمع مع حبيبته. ثانياً، تتحطم حياته وحياة عائلته عندما يستوعب المتيم ان العالم الذي يعيش فيه فقط حلماً. الله سبحانه وتعالى سخر للإنسان عقله ليفكر به، وسخر له القلب ليحب به، ولكن ليس عند المتيم الرومانسي، فالحب يبدل وظائف هذه الأعضاء ويبدأ يفكر بقلبه وليس بعقله. عندما تحب تعيش حياة ليست حياتك، بل حياة مزيفة مجملة. أخيراً، الذي يحب يتوقع من الله اداء واجب نحوه و يحقق حلمه، و اذا حلمه لايتحقق، يغضب المحب ويضعف إيمانه. المشكلة الكبرى فى هروب العاشق الولهان من الواقع، ان حبه ليس فقط يؤثر على حياته بل على حياة كل شخصية رئيسية فى حياته
أنا كرنينا رواية روسية كاتبها تولستوي تتحدث عن قضايا مهمة فى المجتمع، منها الرومانسية والخيانة. أنا كرنينا تحكي قصة أم روسية تخون زوجها وتتجاهل واجباتها المنزلية والإجتماعية، فتقيم علاقة بشاب لعوب يدعى فرونسكي وتحمل منه وترحل من بيتها وتترك ابنها وهي لا تزل زوجة لرجل ضعيف الشخصية يدعى كارنين. في نهاية الأمر، تنتحر أنا نتيجة تجاهل فرونسكي وبعده عنها
أنا كانت تعيش حياة طبيعية كأم وزوجة وكانت مقتنعة بحياتها حتى التقت بفرونسكي، فنست حياتها، ونست العالم، وعاشت فى حلم وردي مع حبيبها. أولاً، أريد تعريف علاقة أنا و فرونسكي. لم يوجد هناك حب حقيقي عفيف بينهما، بل فقط مشاعر رومانسية تقلل من قيمة الحب. أقامت أنا علاقة مع فرونسكي نتيجة احساسها بالحرمان، فالخيانة فى دمها. أنا عاشت فى حلم مستمر عندما كانت بصحبة فرونسكي. لو كانت أنا واقعية لكانت سترفض خيانة زوجها، ولكنها عاشت فى عالم لم يوجد فيه سوى فرونسكي. المشاعر الرومانسية التى شعرت به نحو فرونسكي ولدت الحلم فيها. فلو كانت أنا واقعية لرفضت القيام بعلاقة كهذه لأنها سترى نتائجها السلبية عليها، وعلى عائلتها. ولكن أنا لم تهتم، لأنها لم تكن تعيش فى الواقع. فعينيها لم ترا إلا فرونسكي وتجاهلا طفلها وزوجها. بعد استمرار علاقتها بفرونسكي عدة أشهر لازالت أنا فى حلمها المستمر، فلم تضع لنفسها حدود وأقامت علاقة مفتوحة معه، فلو هي كانت أنا الأصلية الواقعية لوضعت حدود لعلاقتها ولكانت ستهتم بسمعتها وسمعة عائلتها، ولكن كما قلت من قبل كانت تعيش في حلم غير مستوعبه نتائج أفعالها. عندما اكتشف كارنين علاقة أنا و فرونسكي، لم تشعر أنا بأي تأنيب ضمير لانها لازالت تحلم فكان فرونسكي يحبها وهذا كان الشيء الوحيد الذى اهتمت به والذي يربط حلمها بعالمها. ليست أنا فقط التى كانت تحلم بل كارنين أيضاً، فعندما شك كارنين بخيانة زوجته لم يفعل شيئا هربا من الواقع. كان يحب أنا حباً مسيطراً على عقله، فعاش في حلم مع زوجة مخلصة. فرونسكي أيضاً عاش فى حلم، فلم يأبه بأن أنا كانت متزوجة، فقرر تجاهل هذه النقطة الأساسية نتيجة مشاعره نحوها. فلو كان فرونسكي واقعياً لكان رفض القيام والاستمرار بهذه العلاقة. ولكن هناك فرق كبير بين أنا والرجلين، فرونسكي و كارنين الذان استيقظا من حلمهما، فكارنين طردها من البيت، وفرونسكي تركها. ولكن أنا لم تستيقظ من حلمها، فبالنسبة اليها حلمها كان واقعا،و لم تستيقظ من الحلم عندما طردها كارنين من البيت و منعها من زيارة ابنها. لو حدث هذا لأم أخرى لانهارت، ولكن أنا كانت تحت سكرة الحب، فلم تستوعب حقيقة الأمر، فالعالم الذى عاشت به كان من ذهنها. حملت أنا من فرونسكي عندما كانت لا تزال زوجة كارنين، فهي لم تدرك ما كان يحصل بل كانت تعيش فى عالم من الهيام. فلوكانت واقعية لأدركت نتائج أعمالها، ومنعت نفسها من التمادي. فى نهاية الامر انتحرت أنا لأنها أدركت ان حلمها الوردي ليس حقيقية، فلم تستطيع احتمال الحقيقية الجارحة وهربت من الواقع مرة أخرى
روميو وجوليت، مسرحية من تأليف المسرحي الانجليزي الشهير وليام شكسبير، وهي من أشهر روايات الحب فى التاريخ. تحكي هذه المسرحية قصة حب حقيقي صادق بين شاب وفتاة من عائلتين متشاجرتين، فروميو من آل موناغيو، وجوليت من آل كابولتيو، عدو آل مونتاغو
فهذه المسرحية تقص قصة حب محرم بين حبييبين و العقبات التي كانت فى طريقهما إلى الحب والسعادة. فى خاتمة المسرحية، ينتحر كل من روميو وجوليت. انتحر روميو لأنه ظن أن جوليت كانت مقد ماتت، فعندما افاقت جوليت رأت روميو ميتاً و أنتحرت، فكلاهما لم يستطيع العيش دون الآخر. روميو و جوليت وقعا فى حب حقيقي فالحب لم يكن لعبة بالنسبة اليهم، فارواحهما تعلقتا ببعض، فأرادا أن يفعلا المستحيل لكي يكونا مع بعض وهذا كان يتطلب هروبهما من الواقع والعيش فى حلم رودي يقدس الحب الذى بينهما. أولاً، لو كان كل من روميو و جوليت واقعيين فى الأساس لما اقاما علاقة حب عندما علما ان كل منهما من عائلة تكره الأخرى، أو حاولا وضع حدودا وايقاف هذه العلاقة المحرمة، لكن قوة الحب أقوى من العداوة التى بين العائلتين. عاش الاثنان فى حلم وردي هما فقط لسكانها. و كانا يظنان كل شيئ سينتهي على مايرام و فى حلمهما ستنجح علاقتهما وسيعيشان فى سعادة أبدية. عاش العاشقان في حلم و هربا من حقيقة عداوة عائلتهما. ففي حلمهما، كانت اسمائهما روميو و جوليت، وليست روميو مونتاغيو و جوليت كابوليتو. هذا الحب الذى كان بينهما انساههما الواقع و اعاشتهما فى حلم. عندما روميو تقدم لحبيبته جوليت كان حالماً، فبأي دنيا يستطيع الأعداء الزواج؟ كانت جوليت حالمة أيضاً فوافقت على قرار روميو السريع. بعد ماقتل روميو تيبالت ظن أن جوليت لا تزال ستحبه، فكان محقاً، جوليت هربت من الواقع ولم تستوعب أن حبيبها قتل ابن عمها من لحمها ودمها. فكان الاثنان متيمان غير مستوعبان مايحصل حولهما حتى بعد طرد روميو من المدينة ظن ان كل شيئ سينتهي على مايرام، ولكن الحياة ليست كذلك. جوليت أيضاً لم تكن واقعية بعد طرد روميو من المدينة ، فخططت خطة فى ختامها تكون المتيمة مع حبيبها روميو. كان روميو من عائلة متخاصمة مع عائلتها و زيادة على ذلك طرد من المدينة لقتل ابن عمها. بالرغم من كل هذا، ظنت جوليت أن فى نهاية الأمر الله سيجمعها مع روميو . ففي نهاية الامر عندما ادركا ان حلمهما لم يكن حقيقية، انتحرا لكي يهربا من الواقع الأليم. كان روميو و جوليت فى حلم وردي لنهاية المسرحية ، فحتى فى نهاية الامر لم يستوعبا نتائج أفعالهما وأرادا ان لايفترقا لكي يتحقق حلمهما
أنا كرنينا و روميو وجوليت عاشوا فى أحلام لكي ينسوا واقعهم ، ولكن هناك فرق بين علاقة أنا وفرونسكي وعلاقة روميو وجوليت . روميو وجوليت كانا يحبان بعضهما البعض حباً صادقاً عفيفاً طاهراً، وعاشا فى حلم لكي يكونا مع بعض. ولكن أنا وفرونسكي لم يحبا بعض حباً صادقاً، بل أقاما علاقة لكي يحققا متعة شخصية. أنا عاشت فى حلم مع فرونسكي لكي تهرب من واقعها الضجر،و علاقة أنا وفرونسكي أتت تنتائج سيئة على الآخرين فاتن أنا دفعت ثمن خيانة امه وكذلك كارنين، وعلاقة ليون وكاثرين كانت فى خطر من غزل أنا بليون. لكن علاقة روميو وجوليت كانت مختلفة، فعلاقتهما كانت لديها نتائج ايجابية على العائلتين. فعلاقتهما حققت السلام بين العائلتين المتخاصمة احتراما للحب العظيم الذى بينهما
الشخص الذى يموت قبل ان يحب خسر نعمة من نعم الله العديدة ، ولكن الذى يحب احياناً يخسر كل شيئ . العاشق احياناً يخسر عائلته وسمعته الطيبة وحياته كما كان يعرفه، على المتيم ان يضع اولوياته وعليه استيعاب ان الحب ينسيه جروحه القديمة ولكن بنفس الوقت يوّلد جروح جديدة. الحب يهربه من الواقع ويجعله يعيش فى حلم وردي غير واقعي، كما رأينا في كل من أنا وروميو وجوليت ،فكانوا تحت سكرة الحب والرومانسية فنسوا عالمهم وظنوا ان أفعالهم ستكون بلا نتائج . الحب مثل الكحول تماماً، فالعاشق يتمتع بشعور مذهل ولكن بنفس الوقت له ضرر على حياته والمجتمع
سمر الأنصاري
الصف الحادي عشر
2005
No comments:
Post a Comment