السؤال: من خلال رجوعك الى عملين ادبين
بين أهمية العلاقة بين عنوان العمل الأدبي ومضمونة
لو كنت مارة فى مكتبة ما و أردت اختيار كتاب لأقرأه، سأختاره حسب عنوانه. هناك الكثير الذين يقولون ان الإنسان يجب ان لا يطلق أحكام على الكتب حسب عناوينها، ولكنني لا أوافق على هذا الرأي. فعنوان العلم الأدبي يظهر للقارئ الرسالة التي يريد ان يوصلها الكاتب إليه. قد يعتقد الشخص ان عنوان القصة تظهر للقارئ فكرة سطحية عن رسالة الكاتب، ولكن فقط بعد قراءة الكتاب بأكمله يستطيع الشخص ان يرى مدى عمق عنوان العمل. على سبيل المثال لو رأيت الكتابين اللص والكلاب لنجيب محفوظ و مدام بوفاري لفلوبير سأعتقد أن الكتاب الأول يحكي قصة مثيرة عن نص ٍ ما و الكتاب الآخر يحكي قصة امرأة متزوجة. هل العلاقة بين العمل و العنوان في اللص والكلاب و مدام بوفاري سطحية لهذه الدرجة، وهل بينهم علاقة متبادلة وضرورية؟
اللص والكلاب تحكي حكاية ضحية يدعى سعيد مهران بعد خروجة من السجن. تبدأ القصة بخروج مهران من السجن واتجاهه لمنزل طليقته نبوية ليراها متزوجة من عليش، رجل كان يعمل لدى سعيد. أراد مهران ان يأخذ ابنته من نبوية ولكن ابنته الطفلة ٍ لم تتذكره ورفضته. خرج مهران وهو بغاية الحزن والغضب متجهاً الى شيخ دين للإرشاد، من ثم يحاول مهران ان يعثر على عمل، فذهب الى رؤوف علوان، رجلاً التقى به فى شبابه وتأثر بأفكاره السياسية والاجتماعية المتطرفة. ولكن علوان يتكلم عن أفكاره الراديكالية وأصبح رئيس تحرير لجريده ما. رفض علوان ان يعطي مهران عملاً، فقرر مهران السرقة بعد فشل محاولة السرقة، رؤوف استخدم مكانته العالية لكي يحطم أول مهران ليعيش حياة صالحة. من شدة الغضب، حاول مهران قتل نبوية، عليش، وعلوان، ولكنه فشل قاتلاً أبرياء بدلاً منهم، فى آخر الأمر يقتل مهران
لو تطلعنا نظرة سطحية للعنوان " اللص والكلاب " بعد قراءة القصة جوابنا المباشر سيكون ان اللص هو سعيد مهران والكلاب هم أفراد المجتمع مثل نبوية وعليش ورؤوف علوان ولكن، هل الجواب بدائي لهذا الحد؟ لا يوجد هناك خط يفرق بين الخير والشر، فان كل شخصية في هذه القصة تحتوي على الخير والشر معاً. كل شخصية غير متكاملة وأحياناً يكون الشخص اللص وأحياناً يكون الكلب لو تطلعنا في شخصية سعيد مهران نرى انه فى أغلب الأحيان كان لصاً وأحيانا يكون الكلب. لو أخذنا معنى العنوان حرفيا نرى أن سعيد مهران هو اللص لأنه دخل السجن نتيجة السرقة، ولكنه كلباً فى معاني الاستعارة أيضا. إن الكلب هو الذي لا يوجد لديه أخلاق ونرى في علاقة مهران بنور انه كان كلباً لأنه كان يستغل لطفها وأقام علاقة معها دون الإحساس بالمشاعر نحوها. نور كانت الضحية فى علاقتهما مما يظهر ان مهران كان يميل للشر أحيانا. لكن في نهاية الأمر عندما بدأ مهران يحب نور، اختفت من حياته وأصبح الضحية مرة أخرى
تقريباً جميع الشخصيات كانت كلاباً في معاملتهم لمهران أولاً، نأخذ الكلب الرئيسي، رؤوف علوان فهو الذي دفع مهران الى السرقة في بداية الأمر، ومن ثم رفض ان يساعده في وقت الحاجة. ولكن لو تطلعنا في شخصية علوان بدقة نرى انه دون مبادئ وأخلاق، ففي بداية الأمر كانت لديه مبادئ سياسية راديكالية ولكنه تخلى عنها لكي ينال على منصب بالمجتمع وهذا ما يفعله الكلب
طرزان، شخصية ثانوية كان كلباً أيضا لأنه أعطى مهران المسدس. البعض قد يقول ان طرزان سانده في وقت الشدة، ولكنه كان السبب الغير مباشر الذي أدى إلى موت مهران في نهاية القصة
لنأخذ الزوجان عليش ونبوية، من الواضح هنا ان عليش كان اللص ونبوية كانت الكلبة. فان عليش لص في المعنى الحرفي والاستعاري. فعليش كان يعمل عند مهران كلص، ومن ثم أصبح لصاً استعارياً عندما سرق من مهران زوجته. أما نبوية، فإنها تخلت عن سعيد وهو في السجن عندما كان يحتاجها أكثر شيء بما أنها كانت بلا إحساس وبلا أخلاق مثل الكلاب
بعد قراءة القصة يرى القارئ ان العنوان ينطبق على كل علاقة بين الشخصيات العديدة فان العنوان يعطي الفكرة العامة ان المجتمع يتكون من لصوص وكلاب، ومضمون الرواية يكرر رسالة محفوظ بأسلوب لا مثيل له
أما مدام بوفاري، فإنها رواية تحكي قصة امرأة تدعى ايما. فان ايما كانت يتيمة بسيطة تعيش مع والدها في مزرعته، فالتقت ايما بالدكتور شارل بوفاري وتزوجت منه بسرعة. ولكن سرعان بعد زواجها ملت منه زوجته ومن الحياة الزوجية. فبدأت تقضي وراء شهواتها وخانت زوجها مع رودولف وليون. بدأت ايما تقع في الدين أكثر وأكثر، ففي نهاية الأمر انتحرت لكي تهرب من حياتها
لو نظر شخصاً الى العنوان " مدام بوفاري " نظرة سطحية سيعتقد ان مضمون الكتاب سيكون حول امرأة متزوجة شريفة، وقد يعتقد ان الرواية ستكون مملة. ولكن في حقيقة الأمر عنوان هذه الرواية مثيرة للسخرية. فان ايما ليست زوجة شريفة بل فاجرة، علاقتها مع رودولف وليون تبين مدى سخرية العنوان
أيضا إن من الواضح ان أرادت ايما كل حياتها ان تنال على لقب " مدام " وان تنتمي الى مرتبة اجتماعية عالية فهذا واضح عندما ذهبت الى الحفلة السنوية في القرية و انجذبت الى كل الأشياء الفخمة. أيضا إن مللها السريع يبين للقارئ إنها طماعة وترغب بأشياء ليس "بإمكانها الحصول عليها. ما يثير السخرية ان كل ما زادت رغباتها. كلما ابتعدت من طريقها للنيل على لقب " مدام
ان مدام بوفاري لم تكن تتصرف كمدام إطلاقا، فإنها كانت تتجاهل واجباتها كأم وزوجة وكانت خائنة. لم يبق لديها نقطة شرف أمام القارئ بعد موتها ولكن الكل كان ينظر إليها كمدام. هنا يريد فلوبير ان يقول ان هناك اختلاف كبير بين المظهر والواقع. فايما كانت تظهر بأنها مدام ولكن في حقيقة الأمر كانت مجرد خائنة
محفوظ وفلوبير استخدما عناوينها لسببين مختلفين فان محفوظ لخص رسالته للقارئ فى العنوان وفلوبير أثار للسخرية الآمر نجح محفوظ في لفت انتباه الشخص فان عنوان " اللص والكلاب " عنوان شيق ولكن العنوان الذي وضعها فلوبير ممل ولا يستطيع الشخص فهم القصد من العنوان إلا بعدما يقرأ القصة
ان علاقة العنوان ومضمون العمل الأدبي علاقة ضرورية ولها جانبين، جانب سطحي وجانب عميق. بعد قراءة المضمون يستطيع القارئ ان يرى مدى عمق العنوان، فيرى ان في العنوان رسالة الكاتب للقارئ. لو لم يضع محفوظ عنوان " اللص والكلاب " لم يكن يستطيع القارئ ان يفهم القصة على أتم وجه. أما مدام بوفاري، فنفس الكلام يقال للعنوان وليس لهذه الدرجة
سمر الأنصاري
الصف الحادي عشر
No comments:
Post a Comment