الانتحار مشكلة اجتماعية قديمة ومعاصرة
تفقد للآن تفسيرا واضحا للدوافع التى تجعل الإنسان يقوم بهذا العمل. عادة الذي
يفكر فى الانتحار أو يريد ان يقوم بهذا العمل يحاول ان يلفت أنظار الآخرين اليه
ويشير إلى الناس أنه شخص محتاج إلى مساعدة ومن يمد اليه يد العون. فى أكثر الأحوال
تكون هذه الصرخة الأخيرة متأخرة، وقد أخذ الإنسان حياته. من الأسباب الرئيسية التى
تدفع الشخص الى الانتحار هي الإحساس باليأس من الحياة والاعتقاد ان لا يوجد هناك
سبيل لعيش حياة سعيدة. من تأتيه أفكار اليأس والكآبة هذه عادة لا يبوح بها الى
الآخرين ويكتمها فى أنفاسه فتتحول هذه العواطف الى عواطف أخرى خطيرة يصعب حينها حل
تلك المشكلة. يجب أن يعتاد الشخص منذ صغره ان يتكلم عن مشاعره بكل صراحة تامة و
يحاول إكتام مشاعره عن الاخرين لآن إكتام المشاعر، والاحساس بعدم وجود الثقة بينه
وبين الآخرين، والاحساس بالغربة كلها عناصر تؤدي الى التفكير بأفكار مؤذية كالانتحار.
قضية الانتحار مطروحة فى رواية أنا كرنينا لليوتولستوي وكذلك فى قصة العاقر
لميخائيل نعيمة وبعد قراءة الروايتين نسأل أما كان الانتحار الخيار المعقول الوحيد
لمن سلب هذا الطريق ؟
لنبدأ بالنظر الى قضية الانتحار فى أنا كرنينا.
هناك عدة اختيارات اتخذتها أنا فى حياتها ووصلتها الى نهايتها. زواجها من كرنين لم
يكن متكافئا، تزوجت أنا من كرنين وهي صغيرة فى السن وكان هو أكبر منها سنا. كانت
حياتها الزوجية باعتقادها سعيدة ومتكافئة ولكنها لم تكن. كان كرنين كثير الترحال
وعندما كان فى البيت لم يكن هناك حيث صريح بين الطرفين الزوجان ما كانا يعبران عن
عواطف وأحاسيس بعضهما نحو الآخر، فلابد أن أحست أنا بوجود نقص فى علاقتها مع زوجها
ولكنها لم تأخذ المبادرة بفعل شيء
.بخصوص هذا الموضوع
اعتقاد أنا بأنها ستتخلص من نقصها بقيام
علاقة مع فرونسكي شيء لم يساعدها فى حالتها بل زادها سوءا. تعلقت أنا بفرونسكي
وتخلت عن بيتها وزوجها وابنها وجميع مسؤولياتها وكل هذا من أجل علاقة مبنية على
شهوة مؤقتة وليس حبا أبديا. تطاولت هذه العلاقة الى ان انجبت أنا من فرونسكي طفلة
بالحرام وبعدها تغيرت علاقتها مع فرونسكي
رفض أنا لطلب زوجها بالتوبة والرجوع الى
بيتها و شكها بفرونسكي جعلها فى موقف حيث مشاعرها استولت على عقلها. لم تقبل أنا
عرض كرنين للرجوع الى بيتها وظلت تطلب الطلاق ولكن دون فائدة. انتاب أنا كثير الشك
بفرونسكي فلقد كانت وحيدة طوال الوقت ويكون فرونسكي دائما خارج البيت فشكت بأنه يخونها،
وهو لم يكن بالفعل، وعندما رأته مع صبية حسناء عند محطة القطار افترضت أنها حبيبته
وأخذت قرار الانتحار لأن الشك والندم اصبحا نمط حياتها فما من طريقة للهروب برأي
أنا من مشاكلها إلا الانتحار
الطريق المؤدي الى الانتحار فى العاقر
يشابة مشوار أنا كرنينا ولكن مع بعض الاختلافات. بدأت حياة عزيز وجميلة الزوجية
بأفضل حال فكان الزوجان واقعا فى حب بعضهما البعض وكان يتفقا على كل شيئ الى أن
طرح موضوع انجاب الأولاد. ظنت جميلة أن حبها لزوجها يكفيه فلا يطلب منها المزيد،
ولكن لم يكن هذا واقع الأمر. عزيز ووالديه أرادوا الأولاد فلم يكن الحب يكفي فقط،
بل كانت عقلية عزيز وأبويه مختلفة عن تلك لجميلة فالزواج يأتي معه الأولاد وإن لم
يكن هناك أولاد لا تكتمل الفرحة. لم يستطع الزوجان فى البداية أن ينجبا طفلا
وحاولا كل الطرق الشعبية ولكن دون جدوى. حينها تغيرت علاقة عزيز بزوجته، وكذلك
علاقة والدي عزيز مع كنتهما. لم تكن جميلة تعلم بالبيت فى أول أيام زواجها لأن
حماتها لم ترض بذلك ولكن بعد أن ظن الجميع أن جميلة عاقر أصبحت جميلة تقوم بمهام
كثيرة فى البيت ترهقها وتجعلها تحس بالوحدة والغربة فى بيتها. كذلك أحست جميلة
بخيبة أمل شديدة لظنها أن زوجها سيحبها مهما تكن الأحوال ولكنها تعرضت على حقيقة
العلاقة بينها وبين زوجها من بعدها ردأت حالة جميلة وأرادت حضرا لمشاكلها وطريقة
ترضي بها عائلتها فسلبت طريق الخيانة ليس لأنها غير راضية عن علاقتها الزوجية بل
كطريقة ترضي بها زوجها وتبرهن للجميع أنها ليست عاقرة. ولكن بعد أن فرح الجميع
بحمل جميلة، وعادت العلاقة بينها وبين عزيز كما كانت أول أيام حبهما لم تحس جميلة
بالراحة بل الندم والشعور بالذنب فانتحرت وأخذت حياة جنينها وتركت لعزيز رسالة
تبين فيها كل ما فعلته، وأنه هو العاقر وليس هي، وأنها ضحت بكل شيء من أجله وحتى حياتها
بعد قراءة كلتا القصتين نرى أن هناك
العديد من وجوه الشبه بين أنا وجميلة مما يجعلنا نربط بين أنتحارهما
نرى أن الشخصيتان فى القصتين اللتان
انتحرتا هما امرأتان متزوجتان. يكشف لنا هذا الأمر أن الزواج فى كلتي الحالتين كان
يفقد شيئا، وأثر هذا النقص ملحوظ فى حالتي أنا وجميلة. أنا كانت تفقد فى زوجها
القدرة على التكلم بصراحة مع زوجها فلم يكن كرنين يكلم أنا عن مشاعره وأفكاره. ولم
تكن أنا تفعل هذا أيضا. كان كرنين أكبر من أنا فالاثنان لم يفكرا فى نفس الطريقة
وكانت أراءهم عن الزواج مختلفة ولكن لم يحاول أحد منهما أن يواجه الأخر فى هذا
الموضوع مما جعل المشكلة تكبر وتؤدي الى نبع مشاكل أخرى كما كان زواج جميلة يشكو
من نفس المشكلة. كانت جميلة تفترض أن زوجها يوافيها بتفكيرها ولكن يا للمفاجئة
عندما عرفت أن زوجها أحبها ليس فقط كزوجة بل كامرأة تجعله أبا. هذا العنصر المفقود
فى خطوط الاتصال بين الزوجين أدى إلى وجود مشاكل فرقت الزوجين. كانت أفكار جميلة
وعزيز مختلفة جدا بخصوص الزواج المتكافئ فجميلة ظنت أن الحب يكتمل
بوجود الزوج والزوجة وعزيز ظن ان الزواج يكون كاملا بوجود الأولاد
للتقاليد دور مهم فى موضوع انتحار المرآتين
فنظرة المجتمع والعائلة الى المرأة يلزمها بمسؤوليات قد لا تريدها المرأة. فى
المجتمع الروسي المرأة لا تستطيع أن تتزوج بعد الطلاق ونظرة المجتمع إلى المرأة
الزانية تختلف عن نظرة المجتمع الى الرجل الزاني. ينظر المجتمع إلى المرآة الزانية
إليها نظرة احتقار واشمئزاز أما الرجل الزاني فلا ذنب عليه. هذه التفرقات الجنسية
نضع ضغوطات على المرأة وتجعلها تحس بالذنب نحو فعلتها وهذا ما حصل فى أنا كرنينا لأنا.
نرى أيضا أثر التقاليد ودور المرأة فى المجتمع فى قصة العاقر حيث أن جميلة ينظر إليها
أهلها كزوجة وكأم فلا تستطيع أن تكن زوجة فقط لان دور الآم هو مرتبط بدور الزوجة
وعندما ظنت جميلة أنها عاقر الجميع جعلها تحس بأنها عديمة الفائدة وأن السعادة فى
الحياة لا تكتمل إلا بالأولاد وهذه نظرية خاطئة فالنساء اللواتي لا ينجبن يحملهم
المجتمع عبأ ثقيلا ويلومهن عن شيء لا يستطعن أن يتحكمن به
المكان الذي اختير كموقع للانتحار يحمل
أهمية فى كلتي القصتين اختارت أنا كرنينا أن تقفز أمام القطار لتموت عن المحطة
وكانت أنا قد التقت بفرونسكي لأول مرة على متن القطار، وعندما خرجا منه رأى
الاثنان رجل مرمي على سكة القطار وهو ميت، وهاهي أنا ميتة على سكة القطار. أما
جميلة فلقد اختارت شجرة السنديان كالمحطة الأخيرة فى حياتها فكانت تلتقي بعزيز
هناك أول أيام حبهما والآن أصبح مكان حزنهما
الزاني مرتبط بالانتحار فى حالة أنا وجميلة.
بعد أن أقامت أنا مع فرونسكي علاقة محرمة وهربت من بينهما ومسؤولياتها لم ترتاح
فلحق بها أثمها فى كل مكان ولقد جعلها تندم على ما فعلته وهذا الإحساس بالذنب
والتوتر جعلها تشك بالكل وحتى فرونسكي فشكت به وهو لم يفعل شيئا وعندما رأته وظنت
أنه يخونها أرادت الموت. كذلك فى العاقر، كانت جميلة تريد أن ترضي زوجها بالزنى
فأرادت أن تحمل فقط ولكن هذا الذنب لم تستطع أن تتحمله جميلة فانتحرت لآن الزنى قد
لوثها وجعلها غير قادرة على العيش. الذنب الشديد الذي يحلق النفس الزانية لا مكان
للهروب منه
الانتحار وظروف الانتحار تختلف أيضا في
عدة أشياء. أسباب الانتحار تختلف لدى أنا عن تلك لجميلة
آنا أرادت أن تنتحر لتهرب من أحاسيسها
بالذنب والشك ولأن الخيانة جعلتها دائما متوترة ومشتتة الأفكار. إن نفس الخائن لا
ترتاح فرأت أنا الانتحار حلا لمشاكلها ولكنها لا تعلم ما سيلاقيها بعد
الممات
أما جميلة فهي سلكت طريق الانتحار لا
بالأساس لتخص نفسها من عذاب حياتها بل رأت فى الانتحار تضحية لزوجها. أحست جميلة
أنها لا تستطيع أن تجعل زوجها يعيش فى جهل عن الحقيقة فالطفل الذي حملت به ليس
لزوجها فلم تستطع أن تدخل ابنا / أو ابنة محرمة الى العالم فتعيش حياة تعيسة
وزوجها أيضا إن عرف. أرادت جميلة أن تبرهن لزوجها أنها أحبته طوال هذه السنوات
عندما تجاهلها، وأنها فعلت كل شيء من أجله وانه هو العاقر وليست هي. لم تستطع
جميلة أن تواجه عزيز فتركته واعتقدت أنها هكذا ستؤثر عليه وفعلا لم ينس عزيز جميلة
فلقد قال: " لا جميلة بعد جميلة “
انتحار جميلة ليس فقط انتحار بل جريمة
قتل أيضا وهذا ليس الحال مع آنا. لم تنتحر جميلة فحسب فلقد أخذت حياة جنينها معها
ولقد أرادت من ذلك حماية زوجها من العيب الذي سيلحقه عندما يعرف الحقيقة. ولكن هل
يحق لجميلة فعل هذا ؟ ما لديها من خيار ؟ ابنها أو ابنتها سيلحقهما العيب الى
الأبد لأن الزنى لا يؤثر فقط على فاعليها بل كل من له صلة بهؤلئك الأشخاص. أما أنا
فقررت ترك ابنتها بدل أن تأخذها معها ولكن حياة هذه البنت ستكون مليئة بالعار حتما
انتحار أنا يرمز الى أنانيتها وانتحار
جميلة الى إخلاصها لزوجها. لم تفكر أنا كيف سيؤثر انتحارها على كرنين وسرج وابنتها
و فرونسكي. كرنين سينهار عاطفيا لأنه هب أنا وسيظل يحبها. أما فرونسكي فسيؤثر عليه
هذا الموت ولكنه سيتخطى الأمر يكمل حياته. أما الأولاد فلن يكن عندهما أمر فى
حياتها وسيلحقهما العار حيثما ذهبا. أما إذا انتقلنا إلى جميلة فانتحارها يدل على
مدى حبها وإخلاصها لزوجها لدرجة أنها قررت ان تموت بدل أن تعيش حياة مليئة بالكذب والعار
وجود رسالة وضعتها جميلة تبرهن فيها
أسباب انتحارها يدل على تعلق جميلة بحياتها السابقة وإنها أخذت تفكر بالانتحار كثيرا،
أما قرار أنا بالانتحار كان عشوائيا. جميلة أحست بأن انتحارها احتاج الى تفسير فهو
مرتبط مع هدفها. أرادت الجميع أن يعرف أنها ليست العاقر وإنها ما تزال تحب عزيز.
أما أنا فانتحارها جاء دون تفسير فالعديد من الأسئلة ستظهر عن انتحارها لأنها لم
تترك لمحة أخيرة تبرهن فيها أسباب انتحارها
الانتحار حتما ليس حلا للمشاكل التى
يواجهها الشخص. الانتحار محرم لدى كل الديانات لأن روح الانسان ليست ملكه والله هو
الوحيد الذي " يحي و يميت “. كان باستطاع أنا أن تتوب وترجع الى زوجها وتطلب
الرحمة من ربها. وكانت جميلة تستطيع أن تناقش موضوع الإنجاب مع زوجها وان اختلفا
يصلا الى اتفاق. ولكن كما ذكر سابقا حبس المشاعر والآراء فى داخل الانسان يسيء الأحوال
ويجعل المسائل تزداد تعقدا. الحياة فى نعمة فلا يوجد هناك شيئا على الإطلاق يوحي
به الانسان أن يأخذ بحياته أو حياة غيرة فليصبر ويعمل على حل مشاكله ويؤمن بأن
الله سيساعده ويستغفر له إن كانت
توبته صادقة وإن كان الانسان حقا يريد أن يتغير
فسيتغير بدون شك
سمر الأنصادي
الصف الحادي عشر
سمر الأنصادي
الصف الحادي عشر
No comments:
Post a Comment